
بقلم: كمال سعد.
ماذا سيحدث للسيد بيرم التونسي و حرمه "سيدة" عقب عودتهما من باريس إلى بيتهما في جزيرة بدران؟... هل يتغير سلوكهما وسط الناس، وينشدان الحياة التي لا تعرف المظاهر أو الخداع؟
نكتشف في كتاب بيرم التونسي الثاني "السيد و مراته في مصر" أن الأسفار صقلت كليهما بالتجارب، وأوضحت أمامهما عيوبا كثيرة تعيش في مجتمعنا كالآفة، ولا تراها العين التي لم تتعود السفر و المقارنة!
إن مصر فعلا بلد المتناقضات، فيه الفوضى في الأجور، واستغلال وخداع في التعامل، ومضايقات في الجمارك، وتفرقة واضحة في المعاملة بين الأجانب وأهل البلد الذين يمثلون أصحاب الخيرات المنهوبة!
وترى زوجته عب عودتهما من الخارج وقد تخلصت-فعلا-من بعض العيوب وليس كلها، فحقيقة أنها أصبحت تميل إلى البساط والهدوء، وتسعى للتعاون مع زوجها، وتكره الاجتماعات التي لا حديث فيها إلا عن الشئون الخاصة جدا للحريم، وتؤمن بالعمل والتربية الحديثة للأطفال، إلا أنها ما زالت تمسك بذيل بعض العادات السيئة مثل الكذب وتضليل الزوج!
وعندما يصل معها إلى بيته في عربة حنطور، ويدفع الأجرة مضاعفة، فان زوجته تسأله: هوه ما فيش يا خويه في البلد دي تعريفة للعربجية الحرامية دول؟
فانه يرد عليها قائلا: فيه... لكن زي كل سيء في البلد، جر على ورق!
ونراهما مستمرين في تحسين ظروف معيشتهما فأحيانا يحذران بعضهما من الحديث بصوت عال، وأحيانا نرى طاولة الأكل في نظرهما أحسن من "الرمية" على الحصر المليئة بالبراغيث، كما أن الأكل بالسكاكين والشوك أحسن من "التلغوص" .
والنظافة ليست مظهرا خارجيا فقط، ولكنها عادة يجب أن تتأصل في نفوسنا وفي كل ركن من أركان بيوتنا، والزوجة يجب أن تهتم بزينتها في بيتها وأمام زوجها، قبل اهتمامها بصورتها وهي في طريقها إلى السينما أو الشارع!
وينظر بيرم حوله في مصر، فيراها مليئة بالنصابين والدجالين، ويقول لزوجته أن الأمور وصلت إلى درجة أن بلدنا أصبح مليئا بالأطباء الأجانب الذين يحملون شهادات مزورة ويقتلون مئات المرضى يوميا تحت سمع وبصر القانون والصحف لا تهتم إلا بالإعلانات القضائية وعزاء فلان الفلاني وشكر كل من ساهم في مصابنا!
ويتهكم على أحوال مسارحنا التي لا تقدم فناً رفيعاً خالصاً، والتي يدخلها جمهور أمن بمنطق انه ما دام قد دفع نقوداً فلا بد أن يمارس حقه في شتى الرذائل مثل الرغى أثناء العرض وقزقزة اللب والضحك بصوت أجش، وكان مثل تلك العينة من البشر لا تصل إلى حالة الانشراح والانبساط الذي يكون على حساب مضايقة الآخرين!
ونشاهد زوجته في احد المواقف وهي تحاول أن تعمل لتساعد زوجها في حياته ومعيشته مثل نساء فرنسا اللاتي يقمن بأعمال شاقة دون عجرفة او كبرياء، ثم نراها في موقف آخر وهي تتهكم على النساء اللاتي يتظاهرن بالحزن عن طريق المناديل السوداء واللطم والصراخ، بينما واقع أعماقهن لا يدل على ذلك، ونراها في موقف ثالث تتعجب من الزوجات اللاتي يتمسكن بعادة الكحك في الأعياد، ويكلفن أزواجهن فوق طاقتهم وتستشهد في مرارة بجارها الجزار الذي كلفه الكحك ضعف كسوة أولاده الثلاثة، ثم نراها تعبر عن رأيها لو رزقت بطفل، أنها سوف لا تعرضه للأهوال التي يراها أطفالنا في سنوات حياتهم الأولى، بل سترعاه مثل أي امرأة أوروبية... كما أنها لن تجعله يعاني من ذل الوظيفة، ولكنها ستوجهه نحو المهنة التي تفيد وطنها، وتجعله يرفع رأسه في كل مكان، بلا رياء ولا نفاق أو تملق!
لقد امن بيرم في العشرينات بضرورة أن نتطور، وان نستفيد من تجربة من سبقونا، وان نتخلى عن كل العادات السيئة التي دمرتنا وشوهت تاريخنا، فهل نجحت رسالته بعد أكثر من سبعين عاما، أم انه كان ينفخ في "قربة مقطوعة"؟؟.......
0 comments:
Post a Comment