مم تخاف: الرعب وسنينه


بقلم: احمد عبد المنعم
"مم تخاف؟"
سؤال بسيط... ولكنه من الأسئلة التي نادرا ما يجيب عنها احد بصدق... يعتقد البعض أن إخراج ما بداخلهم من مخاوف يجعلها قابلة للتحقيق...
هناك أولئك الذين يخبروك بأنهم لا يخافون من شيء مطلقاً...
هذا اكبر دليل على أنهم يحملون بداخلهم مخاوف لدرجة أنهم لا يستطيعون ذكرها...
فلا يوجد إنسان لا يحمل بداخله بعض الأشياء التي يخافها...
بداخل كل إنسان جزء مظلم، يترك فيه كل الأشياء التي لا يريد أن يتذكرها...
الحب الأول الذي لم يكتمل... فقدان احد المقربين... وكل ما هو صعب التذكر، أيضا يدفن الإنسان مخاوفه في هذا الجزء...
هناك مخاوف مؤقتة، أو بحكم السن... وهذه المخاوف تكون مرتبطة بالطفولة وهي غالبا تنمحي مع تخطي تلك المرحلة... ولكن المخاوف التي أتحدث عنها، هي تلك التي تلازمك من طفولتك حتى مماتك...
مخاوف لا تستطيع أنت التحدث عنها... وقد لا تعرف أصلا ما هي...
ارتبط معنى الرعب بالأفلام السينمائية، التي تعرض مسوخا بشعي المنظر، وأشباحا تظهر ليلا في الأماكن المقفرة أو المهجورة، والبيوت المسكونة، والوحوش...الخ...
بينما يعتقد البعض إن الرعب ما هو إلا تلك الأصوات التي تحدث خارج غرفة النوم ليلا، والتي يكون مصدرها غالبا قطة ضلت طريقها...
ولكن معنى الرعب الفعلي، هو أي شيء يثير غريزة الخوف في قلب الإنسان... ولعل الخوف من شيء لا تراه... وفقط تسمع صوته أو تشعر به.. أقوى من الخوف من شيء تراه... وهذا هو ما عناه الكاتب الذي خلد التاريخ لاسمه (لافكرافت) في المقولة "الخوف، هو أقوى وأقدم عاطفة بشرية...والخوف من المجهول، هو أقوى وأقدم خوف عرفه الإنسان".......
فالرعب الحقيقي هو الرعب النفسي الذي تشعر به دون أن يكون له شكل مادي...
ويلعب عقل الإنسان دورا كبيرا في هذا الرعب النفسي...
فحتى الآن، لم يتوصل العلماء إلى قدرات العقل البشري كاملة...
فمثلا قد ترى شيئا تخاف منه، وهو غير موجود، فقط بقوة عقلك... وهنا يلعب الوهم دوره... فمن الممكن أن تقرا قصة مخيفة أو ترى فيلما مخيفا يتحدث عن الأشباح مثلا....
وصدقني لو وصل خوفك لدرجة معينة، فسترى بعينيك أشباحا تتجول في غرفة نومك...
وتلعب الأساطير الشعبية وقصص الحضارات القديمة المندثرة دوراً لا يمكن تجاهله في عالم الرعب...
ويرى البعض أن الأساطير ما هي إلا واقع تم تحريفه بمرور الزمن... بمعنى أن أي أسطورة لها أصل في الواقع...
على سبيل المثال، نجد في الأساطير الايرلندية أسطورة عن جنية تدعى (بانشي)... إذا سمع عواءها ليلا فهذا يعني موت احد أفراد الأسرة في هذا المنزل...
وتوجد في الأساطير المصرية أسطورة شبيهة لتلك الأسطورة...
وهي (النداهة)، التي تحكي عن امرأة في الأرياف تظهر ليلا تنادي شخصا ما... فتسحره ويحاول أهل بيته منعه عن الذهاب إليها ولكنهم لا يستطيعوا مقاومته فيذهب معها ويختفي إلى الأبد....
وفي مصر أيضا ظهر المصطلح الشهير "لعنة الفراعنة" حين عثر (هاورد كارتر)-عالم الآثار-على مقبرة (توت عنج امون)، ووجد عبارة تقول:
(سيطارد الموت بجناحيه كل من يقلق مرقد الفرعون)...
ولم يعط (كارتر) أهمية لتلك المقولة، ربما لتعامله مع المصريين وثقته بأنهم لا يفعلون شيئا سوى الكلام....
ولكن ما حدث بعدها، كان كفيلا بجذب الانتباه....
اللورد (كارنارفون)-ممول حملة (كارتر)-الذي كان في القبر لحظة افتتاحه، توفي بحمى غامضة، بعد ان جرح نفسه اثناء الحلاقة!!
وتوفي سكرتير (كارتر) في ظروف غامضة، وانتحر والده حزنا عليه...
وتوفي أيضا ما يقرب من ثلاثين شخصا ممن دخلوا مقبرة الملك "توت عنج امون" دون أسباب واضحة...
ولا زالت الكثير من الأساطير الخيالية الأخرى، والتي تمثل جزءا كبيرا من التراث والوجدان الجمعي للجماعات والشعوب...
وهو ما يوضحه قيام جماعة معينة من الناس، ببعض الطقوس أو الأفعال المعينة في أوقات محددة ومنتظمة ومعروفة ومقدسة لهم جميعا... وقد تبدو لك بعض تبك الطقوس عند بعض القبائل البدائية مخيفة أو مرعبة... ولكنهم-صدق أو لا تصدق-يقومون بها غالبا لحمايتهم من الخوف...
ولو دققت النظر ستجد أن الخوف يحتل مكانة كبيرة في حياتك... خوفك من أن يجعلك والدك عجينة تصلح لصنع الفطائر، لو علم انك تدخن....
خوفك من أن تنام ولا تستيقظ...
خوفك من أن تترك قدم مديرك في العمل أثرا على مؤخرتك، إذا ذهبت متأخرا كالعادة... وأشياء أخرى كثيرة، لو واصلت التحدث عنها، فكل من سيقرأ هذا الكلام سيظهر عنده نوع جديد من الخوف....
وهو الخوف من الخوف!!
واعتقد أن الخوف كان من المفترض أن يأخذ مكانا مرموقا في نظريات العالم العبقري (اينشتين)... فالخوف نسبي... فقد تخاف أنت من شيء لا يخاف أخيك منه... ويعتبرك أحمقا ولا تستحق الحياة لخوفك من هذا الشيء (وغالبا ما تكون الكلاب هي هذا الشيء)... إذن فالشعور بالخوف يختلف من شيء لآخر... فهناك أشياء غير مخيفة قد تجعلك تبلل سروالك... بينما أشياء مخيفة لا تهتز لك شعرة منها....
ومن أهم الأسباب لإصراري على أن (اينشتين) كان ولا بد أن ينظر للخوف ويعطيه حقه، إن الخوف من أهم عوامل نسبية الزمن... فلو انقطع التيار الكهربائي في منزلك وبدأت تسمع أصوات غريبة ولا أعدك أن تكون قطة ضالة هذه المرة... فالوقت سيمر عليك كالسلحفاة القعيدة... على عكس من يجلس أمام التلفاز يشاهد فيلم (اكشن) في نفس الوقت...
والإنسان بطبعه توجد فيه صفة (حب تعذيب الذات)، فتجد أكثر من يشاهدون أفلام الرعب يرتجفون رعبا... وهم مستمتعين بذلك... أنت في صغرك كنت تخاف من قط الجيران، ولكنك عندما تعرف أن هناك فيلم رعب سيعرض مساءا فانك تجلس بشغف أمام التلفاز منتظرا إياه... ويبدأ الفيلم وتبدأ في الصراخ منتظرا أن يخرج وحش من أي مكان حولك... وتظل تفكر في الشبح الذي ينتظر تحت سريرك... وعندما ينتهي الفيلم ويأتي وقت النوم...
الوقت الذي يخرج كل ما في عقلك الباطن وغير الباطن من مخاوف ويلقيها أمامك على الوسادة... تتحول غرفة نومك إلى "قهوة العفاريت" أو ملتقى الوحوش وتتحول جميع الأصوات من حولك إلى أصوات قادمة من عوالم أخرى، وأشياء من هذا القبيل...
بالطبع لن تستطيع الانتظار وحيدا طويلا... تنطلق الى غرفة نوم والديك، وتخبرهم انك خائف ولا تستطيع النوم وحدك...
وهذا يقودنا إلى نوع آخر من الخوف وهو خوف والديك من مشاهدتك لأفلام الرعب، وبالطبع تعرف لماذا... فلو واصلت مشاهدة تلك الأفلام، لن ترزق عائلتك بأطفال ثانية...
والرعب مرتبط في أذهان الكثيرين بالسحر والشعوذة... منظر الساحرة الشريرة التي تجلس أمام النار وتردد كلاما غير مفهوم....
أو مشهد الساحر الأقرع غالبا الذي لا يغمض عينيه أبدا ونادرا لو رمشت عيناه....
هي مناظر خالدة في أذهاننا... ويعتبر البعض أن هذا هو قمة الرعب... أن يوجد من هو قادر على تحويلك لسحلية....
والسحر موجود من قديم الزمان، وليس من وحي الأفلام الأمريكية لو كنت تعتقد ذلك... ويوجد نوعان من السحر... السحر الأبيض و السحر الأسود... وأرجو ألا يلقي أحدكم جملة سخيفة على غرار "ما فيش ألوان؟"... نياهاهاهاها"....
فالسحر الأبيض هو سحر مسالم لا يستخدم في إيقاع السوء، وإنما يستخدم في الأشياء الخيرة كزيادة الرزق والشفاء من الأمراض (كما يعتقد الكثيرون)...
بينما السحر الأسود هو الذي يستخدم في الإساءة...ويرتبط الرعب بهذا الجانب... اعتقد انك سمعت يوما عن الفودو... هي عقيدة قائمة بالكامل على السحر... توجد هذه العقيدة في جزر الهند الغربية... على ساحل أمريكا الشرقي... ولكنها لم تنشا هناك... ولا حتى على أي مكان في تلك القارة...
فمن قديم الزمان كانت هذه العقيدة تنتشر بشكل واسع في الساحل الغربي لإفريقيا... وهي عقيدة معقدة جدا، وتمارس بطريقتين: إحداهما باليد اليمنى وهي تشبه السحر الأبيض...
والأخرى باليد اليسرى فقط وهو النوع الشرير أو الأسود بالتحديد... وهناك في تلك العقيدة ما هو اشبه بحفلات الزار في مصر....
وفي النهاية سيظل السؤال بحاجة إلى إجابة وافية...
"مم تخاف؟؟"

0 comments:

Post a Comment