ليلة الزفاف


بقلم: أنيس منصور
بعد أن تخرج الضيوف وتسكت الموسيقى، وتتحرك مواكب الحماة وعواجيز الفرح، والأصدقاء والأعداء والأقارب والعقارب.... بعد أن تخرس الشوك والسكاكين، وتتساقط الأنوار، بعد كل هذا كله تبدأ ليلة الزفاف... تبدأ اللحظة الرهيبة في حياة كل عروسين.... إنها اللحظة التي كان يحلم بها الزوج وتتهيبها الزوجة!
يقف الزوجان الجديدان وجها لوجه... فلا احد معهما لا أبوها ولا أمها ولا أخوها ولا صديقاتها... إنها تقف مع رجل غريب، رجل تحبه قبل ليلة الزفاف.... ولكنها في هذه الليلة تخافه ترهبه ترتعد منه... لا تدري ماذا أخفى لها في قلبه، أو في رأسه أو لمعان عينيه... إنها لا تعرف فهذه هي أول مرة تقف معه وحدها، والناس كلها تعلم إنهما وحيدان وإنهما يقفان سعيدين وجها لوجه... ولكن الناس لا تدري خوف العروس، والعرق الذي يتصبب من جبينها يكتسح البودرة والأحمر ويكتشف ضعفها أمام رجل غريب عنها، رجل كان لطيفا، ولكنه في تلك الليلة ليس كذلك... انه هو الآخر مضطرب، فنظراته قد تغيرت، وصوته قد أصبح مبحوحا، وهو الآخر يتصبب عرقا ولكنه يتمالك شجاعته لأنه رجل، ولا بد أن يكون شجاعا...
ولا بد أن يكون هو سيد الموقف، وسيد الليلة، بل سيد اللحظة، التي تسكت فيها كل الأصوات... كان الدنيا كلها قد انسحبت، لتهيئ لهما هذا المسرح... لقد رفع الستار عن رجل يجب أن يمثل دور البطولة والشجاعة، أمام جمهور على استعداد لان يصفق له ويقبله ويعانقه، جمهور يحبه... إنها الأعصاب، إنها اللباقة، إنها الشجاعة والخبرة... وليس هذا كله بالشيء القليل!
إنهما الآن وجها لوجه!
هذه أصعب لحظة في حياة العروسين... إنها لحظة كلها اصفرار وعرق ورعشة...
إنها اللحظة التي تتحكم في كل اللحظات التالية، إنها كلمة السر في حياة طويلة بعد ذلك....
إنها مفتاح السعادة أو التعاسة في حياة الزوجين!
إنها بالنسبة للفتاة تجربة رهيبة مخيفة إنها تجربة لم تعرف عنها شيئا، لم يقل لها احد ما هي ولا كيف تكون، ما لونها ما طعمها... فأمها لم تقل شيئا، لان هذا عيب والمدرسة التي تعلمت فيها لم تقل لها شيئا، فهذا عيب....
إن لدينا مدارس ومعاهد وكليات لإعداد أصحاب المهن والوظائف كالأطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم... ولكن ليس لدينا معهد واحد أو مدرسة واحدة لإعداد الأزواج واطلاعهم على الحياة الزوجية، على الرغم من أن "الزوجية" هي أقوى واعقد علاقة بين رجل وامرأة، إنها علاقة صداقة دائمة، إنها أول علاقة بنائية للمجتمع!
والفتاة تدخل هذه الحياة الجديدة، سرا... تدخلها خائفة، لان الإنسان يخاف الشيء الذي يجهله، ولأنها تعلمت أن اقتراب رجل من امرأة حرام وخطيئة وحتى لو اقتنعت بان صلتها بزوجها ليست خطيئة فان إحساسها بالخطيئة لا يتلاشى، بل يظهر بين حين وآخر...
إنها تشعر بالخوف من زوجها، وبالخجل مما سيكون!
وقد فشلت زيجات لا نهاية لعددها بسبب ليلة الزفاف، فقد أصيبت العروس بخيبة أمل، كانت تحلم بالموسيقى وبالورود وبالعطر والكلمة الجميلة والصوت الحنون والأصابع الناعمة، تلمس ذراعها، والفم الدافئ يعانق شفتيها، والأنفاس العطرة ترتاد وجهها... وضوء حالم خافت وعناق طويل، وأحلام ذهبية!
فإذا الواقع شيء آخر... فلم تكد تنظر إلى نفسها في المرآة تحاول أن تنزع ملابس الزفاف حتى رأت رجلا عايرا له كرش كبير، يمسح شواربه ويعطس ويسألها في صوت غليظ، لم تسمعه من قبل:
- أزاي الصحة؟
- فتقول له: الحمد لله!
- انتي مبسوطة؟
- الحمد لله!
- انتي تعبانه؟
- لا!
- لا انتي تعبانه!
- ..................
ويتوارى الورد والعطر، ويظهر العرق والشخير... وتصاب العروس بأول صدمة في حياتها، صدمة تزلزل كل حياتها، ولا تفيق منها أبدا... فإذا هي تكره الحياة الزوجية وتكره زوجها وتكره حياتها هي وتتمنى أن تكون أي شيء، إلا أن تكون زوجة لمثل هذا الحيوان!
إن الزوج يجب أن يعرف شعور زوجته... ومدى اضطرابها، ومدى خوفها وخجلها... وان يتصرف بلباقة وحذر... فلا شيء كما يقول الأديب بلزاك، في الحب يجيء اغتصابا!
وفواكه الحب، ككل الفواكه، يجب أن يتمتع الإنسان بالنظر إليها قبل أن يقطفها وقبل أن يأكلها!
وهناك عشرات الكتب عند الاوروبين عن الزواج وعن ليلة الزفاف أو عن ليلة "الدخلة" كما نقول في الريف المصري... وعشرات بل مئات... فهذه الحياة الجديدة تستحق الاهتمام وتستحق الدراسة، ويجب أن تفهم الفتاة كل شيء بوضوح، وحينئذ يتلاشى الخوف ويتوارى الخجل...
يجب أن يعلم الآباء والأمهات أن الطفل الذي يخاف من الطفلة وهو صغير، من الصعب عليه أن يغير هذا الفهم إذا كبر وصار شابا، ولذلك يجب أن يحرص الآباء على عدم الفصل بين الجنسين في البيت وفي الحديقة وفي المدرسة.... وأحسن الشباب هم الذين لا يخافون، ولا يحقدون على بنات الجنس الآخر... يجب أن يحرص الآباء على التقريب المستمر بين الفتى والفتاة، وإذا كان الفتى يستطيع أن يعبر عن رغباته، ويستطيع أن يحقق الكثير منها، فان الفتاة لا تستطيع شيئا من ذلك، وهي تكبت رغباتها، وتدفن مخاوفها في نفسها... ولكن هذه الرغبات المكبوتة ستظهر فيما بعد، وهذه المخاوف ستنهض حية من جديد... والحياة المثالية، هي الحياة التي خلت من المخاوف المكبوتة أو المدفونة، ولاشيء يقضي على هذه المخاوف إلا الاختلاط.
وليست الزوجة المثالية هي التي لم تنظر من باب أو شباك ولم تر رجلا قط، بل هي التي خرجت ونظرت وسمعت.... هذه هي الزوجة الحقيقية ذات التجربة، وكذلك الرجل!
ويجب أن يحرص الآباء كذلك على أن يطلعوا الأبناء والبنات على حقيقة هذه الإحساسات الغريبة نحو الجنس الآخر... ومن الأفضل أن يعرف الطفل ذلك من أبويه... وعند ذلك يتعلق بهما ويجعل منهما صديقين، كما أن الأبوين يدليان إلى الطفل أو إلى الطفلة بالمعلومات السليمة، لا المشوهة التي يتلقاها من الشارع.
وبذلك يحس الطفل أن المشاكل الجنسية ليست سرا كما أن الكلام عناه ليس عيبا ولا حراما، وإنها علاقة إنسانية خطيرة.
والخوف أو الخجل الذي تحس به الفتاة مصدره إنها تعلمت أن الرجل حيوان مفترس، وانه كائن مخيف، وان كل اتصال به حرام وخطيئة، ولذلك فهي تخجل من أن يؤدي بها الزواج إلى أن تنام إلى جواره وان تعاشره، وان تقع في المحظور، أن تقع في الخطيئة!
هذا الإحساس بالخطيئة يجب أن يزول... يجب أن يتوارى نهائيا، ليحل محله الإحساس برباط إنساني مقدس، له الاحترام والإكبار!
وكثيرا ما كانت الأفراح مباغتة أو مفاجئة... فالفتاة تفاجأ بان زوجها الذي لم تجلس معه إلا ساعات قليلة سيزف إليها بعد أيام... وهي لم تعرف شيئا ولم تتهيأ لشيء... فتكون ليلة الزفاف حادثا مفزعا، يصيبها بالذعر والفزع، ولا يختفي اثر هذا الفزع من حياتها مطلقا... بل إنها تتذكره مدى حياتها... إنني اعرف سيدة مثقفة، كلما مر بخاطرها يوم الزفاف، وتخيلت أن زوجها قد اقفل الباب بالمفتاح كانت تصاب بغثيان، وتحس أن معدتها ستخرج من فمها.... ولم تتخلص هذه السيدة من الإحساس بالقرف حتى هذه اللحظة.
وعلاج هذا الفزع هو أن تطول فترة الخطبة.... وأيام الخطبة هي أيام الحرمان والأحلام، وأيام الأحاديث عن السعادة وعن البيت الجديد والمولود الجديد... وفي أيام الخطبة يستطيع الزوج أن يحدث زوجته عن كل شيء وحينئذ لا تصبح ليلة الزفاف مصدرا لخوف أو لخجل... والفتاة الأوروبية هي الفتاة التي تحرص دائما على أن تطول فترة الخطبة لتعرف الزوج وليعرفها الزوج، فلا يكون احدهما غريبا عن الآخر...
والزوج مطالب بأشياء كثيرة، ليس اقلها الشجاعة واللباقة، يجب أن يعر الزوج أن زوجته كائن حي له حقه في أن يقول لا وفي أن يقول نعم، وان قسيمة الزواج ليس معناها التصريح للزوج بان يفعل كل شيء في أي وقت على النحو الذي يشاء... أبدا، فالزوجة من حقها أن تقول لا وان يكون لها رأي وان يقام لإحساسها وخوفها وخجلها وزن كبير...
ولذلك نجد الكثير من الأزواج يؤجلون ليلة الزفاف أو اللقاء الحقيقي مع الزوجة أياما وفي بعض الأحيان أسابيع عديدة... حتى يستريح خاطر الزوجة وتطمئن ويخف خوفها وخجلها... وليعلم الزوج أن أي غلطة يرتكبها في هذه الليلة لا تمحي أبدا...
ولتعلم الزوجة كذلك... انه يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي أمام زوجها بل يجب أن تلتقي به في منتصف الطريق، وان تعاونه على تذليل مصاعبها هي أو مشاكلها هي..وموقف المرأة في ليلة الزفاف لن ينساه الرجل...
وعلى الزوج أن يترفق بزوجته وبضعفها، لان هذا الضعف قد ورثته عن المجتمع الذي قدمها له، دون أن يمدها بأية معلومات عن زوجها، فليترفق الرجل بزوجته، فإنها زجاج رقيق.
وليعلم الزوجان كذلك... إن ليلة الزفاف فيها كثير من خيبة الأمل، التي تصيب الرجل وتصيب المرأة، ولكن هذا الإحساس طبيعي لان الخيال أقوى بكثير من الواقع، ولكن ليس معنى ذلك أن الحياة الزوجية شيء سخيف ولا مبرر لاستمرارها... ولكن الحياة الزوجية يمكن تجديد السعادة فيها، وإدخال التغيير فيها فلا تصبح مملة ولا تصبح رتيبة!
ويجب أن تعلم الزوجة والزوج كذلك أن الطيور تغرد وتغني شهورا قليلة من كل عام حين تبيض وتفرخ فإنها تكف عن الغناء والتغريد...
والزوج لا يمكن أن يغني أو يغرد طوال العام ولذلك يجب أن تعاونه الزوجة على الفرار من الملل والقرف.
وكثيرا ما يحس الزوجان أن حياتهما فارغة أو أنها ثقيلة وانه لا يوجد سعداء متزوجون... وان الزوجين المثاليين هما الزوجة العمياء والزوج الأطرش!
ولكن هذا الإحساس يجب أن يقضي عليه الزوجان معا... والحياة الزوجية تعاون وتساند وشركة بين اثنين، وشركة قائمة على الصداقة والتضحية المستمرتين!
هذه اللحظة الأولى من الليلة الأولى من الشهر الأول هي اللحظة الفاصلة في حياة الرجل والمرأة.
إنها لحظة تستطيع أن تجعل من شهر العسل شهر عسل بلا نحل، أو شهر نحل بلا عسل!


Reblog this post [with Zemanta]

0 comments:

Post a Comment