
بقلم: كمال سعد
إنسان شامل بمعنى الكلمة، فهو رسام كاريكاتير وزجال وقصاص وكاتب سيناريو وواضع اوبريتات وممثل ومؤلف أغاني، بل-أيضا-مغني يطربك بأدائه الجميل وصوته الأجش!
وهو فنان عبقري، غرس أقدامه في أصالة الشرق وملا "دماغه" بثقافة الغرب، فكانت رسوماته "زي العسل" على قلب الشعب المصري، لأنه لم يكن مجرد ابن نكتة أو أخصائي قفشات مضحكة أو فنان يجعلك تستلقي على قفاك من الضحك وترفس برجليك، ولكنه كان مثل الطبيب الجراح الذي يبحث بمشرطه عن أورام المجتمع التي تحتاج إلى استئصال!
وبخلاف الرسومات المدوية السريعة الطلقات، كانت أشعار الفنان صلاح جاهين مليئة بالحيوية والرقة والجرأة والتخيل والفرحة والبكاء على حالنا الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا، وما أحلى شقاوته في الرباعيات عندما يقول:
النهد زي الفهد نط واندلع
قلبي انهبش بين الضلوع وانخلع
ياللي نهيت البنت عن فعلها
قول للطبيعة كمان تبطل دلع
عجبي!
وصفه مرة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس بالأسد الذي تنتابه حالات نفسية عجيبة فيوأوأ..واء...واء... ويجلس على الأرض ليرفس بقدميه ويشوح بيديه ويبكي.... أنا مالي هيييه... فيقول له عاتبا:"عيب يا أسد ما يصحش" فيرد عليه محتجا: "موش عاجبكم طيب" ويمضي وهو يزار، ويستمر في الزئير، بينما الجميع يهمسون في أعماقهم مشفقين" "ربنا يستر"!
لم يكن سلبيا أو مرتعشا في رسوماته ذات الخطوط الشديدة التلخيص، ولكنه كان مقاتلا عنيدا ضد الفساد والجشع والروتين والتكاسل والبلطجة والكوسة والنفاق والتزويغ، كما كان يلهب بسياطه ظهور أعداء المرأة والتطور ويطالبنا دائما بتشييع المتخلفين والغشاشين وجهابذة التقليدية في الفن إلى المقابر!
إلا أن أحلامه برؤية وطن نظيف من الفقر والقهر والحرمان تهاوت مع نكسة 1967، وأصبح قلبه يمتلئ بالحزن والمرارة، فأصابه الاكتئاب الذي كاد يقوده إلى الضياع لولا أن انتقم من أحاسيسه المنهارة بأرجال من نوع:
أنا شاب لكن عمري ولا ألف عام
وحيد ولكن بين ضلوعي زحام
خايف ولكن خوفي مني أنا
اخرس ولكن قلبي مليان كلام
قالوا الشقيق بيمص دم الشقيق
والناس ما هياش ناس بحق وحقيق
قلبي رميته وجبت غيره حجر
داب الحجر... ورجعت قلبي رقيق
عجبي!!
قالها وقال غيرها لنا، ورحل في 21 ابريل 1986 وتركنا-مثله-غرقى في بحر الحياة، والموج يدخل في حلوقنا ونحن نصرخ، ومفيش حمار واحد يقاوم الصمم والملل-كما قال-بالانتحار!
0 comments:
Post a Comment