ثومة- سيدة الطرب وخفة الظل


بقلم: كمال سعد
اشتهرت سيدة الغناء أم كلثوم بظرفها وخفة دمها، فقد كانت حلوة الحديث، حاضرة النكتة، لا تترك أي موقف يتطلب الفكاهة أو الدعابة بدون أن تجمله بابتسامة صافية تمسح هموم القلب وآهات الزمن!
ذهبت مرة لحفل ساهر على شرف احد رجال القانون، وبعد أن تشبع الحاضرون بغنائها الجميل وبدا الرقص في الصالة، تقدم منها احد القضاة الشباب قائلا" ممكن ترقصي معايا؟ فردت عليه ببساطة: لأ... أنا حرأس الجلسة!
وفي حفل آخر وقفت لتصافح كبار المدعوين، وجاءها رجل قصير جدا فصافحته بابتسامة وهي تقول: أنت الواحد يقعد لك!
وأرادت مرة أن تشتري كتابا لأحد أصدقائها من الصحفيين فسألته مداعبة في التلفون: هو ثمن النسخة كام؟... فقال لها: ثلاثة جنيهات وعشانك اثنين يا ست... وردت عليه فورا قائلة: ليه هما هيوزعوا المؤلف فوق البيعة!
ولاحظت مرة أن هناك معجبا بصوتها لا تفوته أي حفلة من حفلاتها، فأصرت على التعرف عليه، وقدم لها نفسه بأنه سميع دائم لصوتها الساحر برغم انه مهندس كهرباء لا يتعامل إلا مع الأسلاك والكابلات والضغط العالي، ولم تترك فرصة القفشة تفوت فقالت له: يا ابن الكابل...!!
وأشهر ما يحكيه سيد مكاوي عن خفة دمها أنها أثناء تلحين أغنية "يا مسهرني" طلبت منه تعديل جملة موسيقية، فقال لها: حاضر لما أشوف، فردت بهدوء: يبقى عمرك ما هتعدلها!
وضحك سيد مكاوي من القفشة كما لم يضحك من قبل.
ومن أظرف مداعباتها عندما كانت تغني بإحدى مدن الصعيد، فانتفض احد الحاضرين وظل يصيح: "يا جاموس المغنى" فغضبت وثارت... لكن احد العازفين قال لها أن الرجل يقصد أن يقول "يا قاموس المغنى" فعلقت على ذلك بقولها: بس فين "العجول" اللي تفهم!
وقد روى لي أبو الكاريكاتير الفنان رخا قصة الأم التي استغاثت ببيرم عقبت ظهور فيلم "سلامة" الذي لعبت بطولته أمام يحيى شاهين وكتب له بيرم الحوار البدوي والأغاني، فقد اتصلت به في نقابة الصحفيين وسألته: هوه أنت الملحناتي اللي بتعمل أغاني أم كلثوم؟ فقال لها: لأ يا ستي... أنا المؤلفاتي بتاع الست، وأفهمته أن ابنتها مريضة باضطراب عصبي وأنها مصرة على أن يغني لها بصوته أغنية "حبة حبة" فقال لها: قصدك شوية شوية.. تفتكري لو غنيت لها هتروق؟! فقالت: دي دايما بتسالني عنك... وبتموت في أغنيتك فأرجوك تساعدني!
وتحت إلحاح الأم وبدافع من الشفقة ظل بيرم يغني لها يوميا في التلفون وفي موعد معين أغنية "شوية شوية" لمدة أسبوعين، إلى أن اكتشف أن صاحبة هذا المقلب هي أم كلثوم، فأراد أن يرد ظرفها ويعاتبها بقصيدة عندما عادت من أوروبا بعد رحلة علاج، فاستقبلها في احتفال العودة بكلمات خفيفة الظل قال فيها:
يا مرفهة عن جميع الناس وتاعباني
وف حارة السد والسيدة فاضحاني
يقولوا ادي مؤلف دور "يا هجراني"
الناس تجيني على صيتك ونعم الصيت
قالوا عليك بطاقة ولا كارت فيزيت
يفتح رموز الكنوز وسخر العفاريت
ويوظف الخيبان ويبرا الجاني
رحم الله سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي ما زالت تمتعنا بأغانيها العظيمة منذ رحيلها وحتى اليوم.

0 comments:

Post a Comment