(1) السـيدة نجـاة
السيدة نجاة سيدة لطيفة مهذبة من بقايا أسرة ارستقراطية عريقة.. تسكن قبالتى تمامًا.. هى وحيدة، وأنا ـ لمؤاخذة ـ وحيد.. علاقتى بها شريفة جدًّا: صباح الخير يا ست نجاة.. صباح النور يا شاعر كنت أفاجأ بها قدامى واقفة على بسطة السُّلَّم.. تبتسم ابتسامة خفيفة، وتبادلنى نظرة أو نظرتين قبل أن تدلف إلى شقتها وترد الباب أحيانًا كانت تناولنى طبقًا من الكعك أو البسبوسة، آخذ منها الطبق وأدلف إلى شقتى..
كنت أعيده إليها فى اليوم التالى فارغًا قالت مرة إنها تحب الشعر؛ لذلك بدأت أضع لها قصيدة أو قصيدتين فى الطبق لست أدرى لماذا أصابنى التوتر فى الفترة الأخيرة، وبدأت الوحدة تؤرقنى؛ وربما لهذا بدأت أفكر فى السيدة نجاة
هى معها ـ لمؤاخذة ـ فلوس، وحنان، وخبرة فى الأكل والذى منه.. وأنا ـ لمؤاخذة ـ عندى الرجولة وثلاثة دواوين شعر واسمى معروف صحيح هى تكبرنى بعشرين عامًا، لكنها لاتزال تحتفظ بنضارة وحيوية البنات الصغيرات، سأتزوجها ونستأذن مالك العمارة فى إزالة الحائط الذى يفصل شقتينا، وأجعل من شقتى بكاملها مكتبة وصالون أدبى، ونعيش فى شقتها..
فكرت وتجرأت وفاتحتها بالأمس فى الموضوع لست أدرى لماذا ظلت صامتة لمدة ثلاث دقائق محدقة فى وجهى دون أن تظهر على وجهها أية علامات رفض أو قبول، إلى أن فاجأتنى بعد ذلك بقولها: امشِ ياشـ هكذا قالت: يا شــ ولم تكمل، وتراجعتْ خطوتين إلى الخلف ودَلَفتْ إلى شقتها وردَّت الباب أحسست ببرودة تسرى فى جسدى وتراجعت للخلف خطوتين، ودَلَفتُ إلى شقتى وأغلقت الباب حاولت النوم مبكرًا على غير العادة، ولكنى ـ لمؤاخذة ـ لم أنم حتى الصباح..
بقيت طوال الليل أفكر فى حرف الشين.. ماذا كانت تقصد السيدة نجاة؟، ورحت أزاوج بين حرف الشين وحروف أخرى, وأرَكِّب الحروف على الحروف: شم.. شحـ.. شخـ … شر.. شاعر.. شحط.. شحات.. شُرَّابة خُرْج يا إلهى..
ماذا كانت تقصد السيدة نجاة؟ (2) يا خرابى
يا خراااااااابى - نداء استغاثة، انطلق صارخًا متكررًا من حنجرة سين من نساء الطابق الأرضى.. انفتحت أبواب كل شقق العمارة، وانطلقت الأرجل بفعل لا إرادى فوق السلالم هابطة للطابق الأرضى النداء
وصل إلى أذن (ص) صاحب الاهتمامات الأدبية واللغوية، الجالس إلى مكتبه فى إحدى حجرات الطابق الثانى، ورغم أنه سمع أيضًا باب شقتهم يُفْتَح، ورغم أنه رأى أختيه الكبرى والصغرى وأمه ينطلقن قى انزعاج، وينخرطن فى الجموع المنخرطة، ألا أنه لم يتحرك من أمام مكتبه كل ما فعله (ص) أن فتح الجزء الثانى من المعجم الوسيط وراح يحملق طويلاً فى مادة: خَرَبَ (3) الحمد لله
كانت ليلة شنيعة، تكاثف فيها الحر والأرق وبعض التصرفات غير المعقولة لهذه الـ كنت أنوى السفر؛ لذلك تخففت من ملابسى وكان علىَّ أن أنام مبكرًا؛ لأستيقظ مبكرًا؛ لأستقل قطار السادسة صباحًا ـ أف.. أنتِ والحر والأرق؟ كانت مصرة على أن تعبث بجسدى كيفما شاء لها العبث، ولم يكن بالشقة من أحد غيرى وغيرها فى وقت كانت فيه مصرة على تقبيلى كما تحب وتريد، إلى أن يئستُ من ردعها، فاستسلمت لها وللنعاس معًا.. استغرقت فى النوم، ولم أعد أحس بأفعالها الشنيعة، لكن فى الصباح لم يكن من أحدٍ غيرها يوقظنى لألحق بقطار السادسة صباحًا، حينها حمدت الله أن علبة المبيد كانت فارغة
-عبدالجـواد خفـاجى-
0 comments:
Post a Comment